إعلاميون

أحمد منصور .. صوت الحقيقة في زمن الصمت .

أحمد منصور، الإعلامي المصري البارز، وُلد في 16 يوليو عام 1962 في مدينة سمنود بمحافظة الغربية في دلتا مصر. نشأ في بيئة مصرية تقليدية اتسمت بالبساطة، وكان لارتباطه المبكر بالقراءة والاطلاع أثرٌ بالغ في تشكيل وعيه السياسي والفكري، وهو ما بدا واضحًا في مسيرته الإعلامية التي اتخذت لاحقًا طابعًا سياسيًا توثيقيًا واضحًا.

في عام 1984، حصل أحمد منصور على بكالوريوس الآداب من قسم الإعلام في جامعة القاهرة، لتبدأ بعد ذلك رحلته المهنية التي لم تكن تقليدية. عمل في البداية في الصحافة المكتوبة، حيث التحق بصحيفة “المدينة” السعودية، وكان مراسلًا صحفيًا في عدة دول، منها أفغانستان خلال الاحتلال السوفييتي، ما أكسبه خبرة ميدانية مبكرة، ومهارات عالية في التغطية تحت ظروف الحرب والنزاع.

وقد كانت تغطيته لحرب البوسنة والهرسك في التسعينيات محطة مهمة في حياته المهنية، إذ انتقل إلى هناك عام 1994 كمراسل حربي، وتمكن من تقديم تقارير صحفية ميدانية مباشرة من مناطق النزاع. هذه التجربة وثّقها لاحقًا في كتابه “تحت وابل النيران في سراييفو”، الذي صدر عام 1996، ليكون شهادة حية على واحدة من أفظع المآسي الإنسانية في القرن العشرين.

انضم أحمد منصور إلى قناة الجزيرة القطرية في العام 1997، وكان من أوائل الإعلاميين الذين ساهموا في انطلاقة القناة، والتي كانت حينها تجربة إعلامية فريدة في العالم العربي. ومع انضمامه، بدأ بتقديم برنامجه الأشهر “شاهد على العصر”، الذي انطلق لأول مرة في عام 1999، وكان يقوم على توثيق الشهادات الحية من شخصيات بارزة عاصرت أحداثًا مفصلية في التاريخ العربي والإسلامي. وقد استضاف خلال البرنامج شخصيات مثل الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية إبان حرب أكتوبر، وحزب الله اللبناني، وقيادات من الإخوان المسلمين، وغيرهم من الفاعلين في السياسة والمجتمع العربي.

ولم يقتصر عمله في قناة الجزيرة على “شاهد على العصر”، فقد قدم أيضًا برنامج “بلا حدود”، الذي بدأ بثه في أوائل الألفية الجديدة، وكان يهتم بمناقشة القضايا السياسية والفكرية والاجتماعية المستجدة، واستضافة شخصيات متنوعة من مختلف الاتجاهات.

ومن أبرز المحطات في حياته المهنية والسياسية، تعرضه للاعتقال في ألمانيا في يونيو عام 2015، بموجب مذكرة توقيف مصرية عبر الإنتربول، أثناء تواجده في مطار برلين. غير أن السلطات الألمانية أطلقت سراحه بعد أيام قليلة، إثر حملة إعلامية وشعبية واسعة، ورفض رسمي من منظمات حقوقية أوروبية وألمانية، اعتبرت أن اعتقاله كان ذا دوافع سياسية، خاصة وأنه كان من الأصوات المعارضة للنظام المصري بعد انقلاب يوليو 2013.

عرف عن أحمد منصور أسلوبه الحاد في الحوار، وقدرته على إدارة النقاشات الصعبة، وهو ما جعله محاورًا مهاجَمًا بقدر ما هو محل تقدير، خصوصًا وأنه لا يتوانى عن طرح الأسئلة الحرجة، حتى لو أثارت غضب الضيوف أو تسببت في توتر اللقاءات. هذه الطريقة منحته شعبية واسعة بين جمهور الجزيرة، وجعلته رمزًا للإعلام الحر في نظر الكثيرين، رغم تعرضه للانتقاد من خصومه ومناهضيه الذين اتهموه بالتحيز في بعض المحطات.

إلى جانب عمله التلفزيوني، يُعرف منصور بكتاباته الصحفية التي نُشرت في عدة صحف عربية ودولية، كما أصدر عدة كتب مهمة من بينها “شاهد على الحرب والسلام”، و”في قلب العاصفة”، اللذان وثّق فيهما تجاربه الميدانية والتوثيقية، مقدّمًا مزيجًا بين السرد الشخصي والتاريخ السياسي.

وحتى اليوم، لا يزال أحمد منصور حاضرًا في المشهد الإعلامي العربي، رغم التحولات السياسية العاصفة في المنطقة. فهو لم يتراجع عن مواقفه، ولم يحد عن منهجه، مواصلًا تقديم برامجه، ومواظبًا على نشاطه في الدفاع عن قضايا الحريات والعدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، الأمر الذي جعله رمزًا للإعلامي الصامد في وجه التحديات، وصوتًا جريئًا في زمن الصمت.

4o

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى