تحولات الميديا السمعية البصرية في الفضاء الرقمي .

ينطلق موضوع الميديا الجديدة والتحوّلات السمعية البصرية عمومًا من إشكالية بحثية تتمحور حول التساؤل الذي يتعلق أساسًا بتأثيرات الفضاء الرقمي (الإنترنت) وتجلياته المختلفة، بحيث لم تعد إشكالية قطاع السمعي البصري بين العمومي والخاص، بل تتجاوز ذلك إلى مدى مواكبته لإفرازات هذا الفضاء، الذي يتمتع بخصوصية معينة. تجعل من الوسائل السمعية البصرية كوسائط ضمن مجموعة من الوظائف تخضع لطبيعة نظام هذا الفضاء وخصائصه .
لذلك، سارعت العديد من المؤسسات السمعية البصرية إلى محاولة التكيف مع معطيات الفضاءات الرقمية، سواء بتغيير النمط بشكل كلي، ولعل هذا ما يظهر في نشوء مؤسسات سمعية بصرية رقمية أساسًا، أو محاولة خلق بعض الموازيات ذات الشبه بهدف المنافسة، أو على الأقل المحافظة على صورة المؤسسة واقتصادها، ولعل هذا ما يظهر في ما يعرف بتلفزيون الواقع، أو التلفزيون الاجتماعي، أو التفاعلي، بالإضافة إلى فئة ثالثة لا تخرج عن إطار كونها مؤسسة تقليدية ذات نسخة رقمية على الإنترنت سواء في شكل موقع رسمي، أو صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها. من هنا تبرز العلاقة بين القطاع السمعي البصري والميديا الجديدة، التي اقتضت النظام التقليدي لهذا القطاع أن يجدد تعاملاته وفق خصوصية هذا الفضاء، خاصة وأن معطيات التغيير حاصلة سواء على المستوى التقني أو المحتوى؛ هذا بالإضافة إلى الجمهور المستخدم الذي بدوره يمثل عنصرًا هامًا في هذا التحول باعتباره جمهورًا متغيرًا بكثير من الخصائص.
ولعل هذا ما يدفع مؤسسات السمعية البصرية إلى اعتماد استراتيجية تضمن لها الحفاظ على جمهورها، بتقنيات تتماشى ومتطلبات الفضاء، ومحتوى مناسب للجمهور. على هذا الأساس، فإن عملية التطور لهذه الوسائل مطلوبة، خاصة وأن المنطق الفلسفي لهذه الأدوات السمعية البصرية قد تغير، مما يتيح لنا العديد من المتغيرات التي تتحول بدورها إلى تساؤلات بحثية تتجلى في مواضيع قابلة للدراسة والتحليل. وبناءً على هذا الطرح يمكننا كباحثين دراسة التحوّلات الحاصلة للوسائل السمعية البصرية وعلاقتها بالميديا الجديدة في ظل التحوّلات الرقمية، وذلك بداية من إشكالية الإطار المؤسساتي لهذه الوسائل الذي أصبح يخضع للكثير من المفاهيم، إلى مختلف الوظائف الإعلامية المقدمة، وصولاً إلى طريقة أو كيفية تقديم المحتوى السمعي البصري ضمن هذا الفضاء، بالإضافة إلى طبيعة الجمهور المستخدم لهذه الوسائط.
إذن، فالعلاقة قائمة على اجتهادات بحثية ومهنية، تنطوي أساسًا على طبيعة المؤسسة السمعية البصرية ومدى تكيفها مع التحوّلات الرقمية الحاصلة، خاصة وأن مجال المنافسة في هذا الإطار قائم، كما أن مبدأ التكيف هنا مرتبط بمجموعة من الإمكانات والاستراتيجيات التي تخلق لنا بدورها ميديا مناسبة تتماشى ومتطلبات الفضاء الرقمي، وعليه يمكن طرح التساؤل العام كالآتي: ما طبيعة التحوّلات السمعية البصرية في ظل الفضاءات الرقمية؟