عبد الباري عطوان ، قلم فلسطيني مقاوم على مدار العقود .

في عالم الإعلام العربي الذي شهد تحولات جذرية على مدى العقود الخمسة الأخيرة، برزت أسماء قليلة استطاعت أن تحافظ على حضورها ورؤيتها النقدية والمستقلة في وجه العواصف السياسية. ومن بين هذه الأسماء يلمع اسم الصحفي الفلسطيني عبد الباري عطوان، الذي استطاع أن يفرض نفسه كصوت جريء، مدافع عن القضايا العربية، وناقد لاذع للسياسات الغربية والعربية على حد سواء.
البدايات: من مخيم دير البلح إلى الصحافة العالمية
وُلد عبد الباري عطوان في 17 فبراير 1950 في مخيم دير البلح للاجئين في قطاع غزة، لأُسرة فلسطينية لاجئة فرت من بلدة أسدود بعد نكبة عام 1948. نشأ في بيئة فقيرة وقاسية، حيث عاش طفولته في ظل الاحتلال واللجوء، وهي ظروف شكلت شخصيته وبلورت وعيه السياسي المبكر.
في أواخر الستينات، حصل عطوان على منحة للدراسة في جامعة القاهرة، حيث درس الصحافة، ثم انتقل لاحقًا إلى بريطانيا في أوائل السبعينات، ليبدأ مسيرته المهنية كصحفي عربي في لندن، المدينة التي أصبحت مقر إقامته الدائم لاحقًا.
تأسيس “القدس العربي”: صوت منفى لا يعرف الصمت
في عام 1989، أسس عبد الباري عطوان صحيفة “القدس العربي” في لندن، وهي صحيفة يومية ناطقة بالعربية، سرعان ما أصبحت منبرًا للأصوات المعارضة والمستقلة، وخاصة تلك التي تنتقد الأنظمة العربية والسياسات الغربية تجاه الشرق الأوسط.
تولى عطوان رئاسة تحرير الصحيفة حتى عام 2013، حيث كانت “القدس العربي” تحت قيادته منبراً للخطاب القومي العربي، ودعمت القضايا الفلسطينية، وغطت الحرب على العراق، والانتفاضتين الفلسطينيتين، والحرب على لبنان، وغيرها من المحطات المفصلية في التاريخ العربي المعاصر.
لقاء مع بن لادن: لحظة مثيرة للجدل
من أبرز المحطات في مسيرة عبد الباري عطوان الإعلامية كانت مقابلته مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في عام 1996 في جبال تورا بورا بأفغانستان. وقد كان أحد الصحفيين العرب القلائل الذين التقوا ببن لادن شخصيًا. أثار اللقاء جدلاً واسعًا، حيث اتُهم بالتعاطف مع الجماعات المتطرفة، بينما أكد عطوان أنه قام بعمله كصحفي يبحث عن الحقيقة ويقابل مختلف أطراف النزاعات.
من “القدس العربي” إلى “رأي اليوم”
في عام 2013، وبعد خلافات مالية وإدارية، غادر عبد الباري عطوان صحيفة “القدس العربي”، وأسس موقعًا إخباريًا إلكترونيًا جديدًا باسم “رأي اليوم”، وهو موقع يعكس توجهاته التحريرية ذاتها من حيث الخطاب القومي المعادي للهيمنة الغربية والداعم للقضايا العربية.
يُعد “رأي اليوم” اليوم من أبرز المنصات الإعلامية الإلكترونية باللغة العربية، وله جمهور واسع من القراء في العالم العربي والمهجر.
أسلوبه وكتاباته: صراحة لا تعرف التجميل
يتميز عطوان بأسلوبه الناري، وصراحته في انتقاد الحكام العرب، خصوصًا أولئك المتحالفين مع الولايات المتحدة أو إسرائيل. وهو لا يتردد في فضح الفساد أو التعبير عن الغضب الشعبي العربي، مما أكسبه احترامًا واسعًا بين قطاعات من الشعوب العربية، وعداوة من بعض الأنظمة الرسمية.
مؤلفاته: سرد للواقع بلسان الرفض
ألف عبد الباري عطوان عددًا من الكتب الهامة، منها:
- “التاريخ السري للقاعدة” (2006)
- “بعد بن لادن: القاعدة الجيل الثاني” (2012)
- “القاعدة: التنظيم السري”
- “فلسطيني بلا هوية”، وهو كتاب سيرة ذاتية يعرض فيه رحلته من اللجوء إلى العالمية
الجوائز والتكريمات
نال عطوان عدة جوائز إعلامية دولية، كما اختارته BBC ضمن قائمة أهم 100 شخصية إعلامية، وأدرجته الإندبندنت البريطانية ضمن أبرز الشخصيات المؤثرة في الإعلام البديل.
صوت لا يخفت
رغم تغير الوسائل والمنصات، لم يخفت صوت عبد الباري عطوان. لا يزال يكتب يوميًا، ويطل على جمهوره عبر الفيديوهات والتعليقات الصحفية، مواصلًا مهمته التي بدأها منذ عقود: قول ما لا يقال، والدفاع عن قضايا العرب، بلا خوف ولا تردد.
من دير البلح إلى لندن، ومن مخيم لاجئين إلى منابر الإعلام العالمي، يبقى عبد الباري عطوان نموذجًا للصحفي الذي حمل قضيته على كتفيه وجعل من قلمه سلاحًا في وجه التزييف والنفاق السياسي.