فضائيات

شبكة راديو وتلفزيون العرب ART من المجد إلى الإنهيار .

شبكة راديو وتلفزيون العرب (ART) تُعدّ واحدة من أقدم وأشهر الشبكات التلفزيونية العربية التي شكّلت جزءًا من الذاكرة البصرية والثقافية لجيل كامل من المشاهدين العرب. منذ تأسيسها في أوائل التسعينات، وتحديدًا عام 1993، برزت ART كمشروع إعلامي ضخم تم إطلاقه على يد رجل الأعمال السعودي الشيخ صالح كامل، الذي كان يُعدّ أحد أبرز الشخصيات في قطاع الإعلام والاستثمار في العالم العربي. الشبكة انطلقت من مدينة روما في إيطاليا، وهو أمر غير مألوف حينها بالنسبة لشبكة عربية، لكنها سرعان ما تمكنت من تحقيق انتشار واسع في البيوت العربية، وأصبحت علامة مميزة في قطاع الإعلام الترفيهي.

قدّمت ART نموذجًا جديدًا ومختلفًا كليًا في الإعلام العربي، حيث كانت من أوائل الشبكات التي تبنّت فكرة التخصص في القنوات، فظهرت قنوات مخصصة للأفلام، وأخرى للموسيقى، وثالثة للأطفال، فضلًا عن قنوات رياضية متخصصة، وهو ما لم يكن موجودًا في تلك الفترة سوى لدى شبكات محدودة. هذه القنوات استطاعت أن تبني جمهورًا وفيًا من مختلف شرائح المجتمع العربي، وكانت متقدمة تقنيًا في ذلك الزمن، إذ كانت تقدم محتواها بنظام التشفير عبر أجهزة استقبال خاصة تتطلب اشتراكًا شهريًا، وهو ما كان يعتبر ثورة تقنية في التسعينات.

لكن النقطة الفارقة في صعود ART وتميّزها كانت في مجال الرياضة، فقد حصدت الشبكة حقوق بث عدد من أهم البطولات العالمية مثل كأس العالم، وكأس الأمم الإفريقية، ودوري أبطال العرب، والدوري السعودي والمصري، بالإضافة إلى البطولات الأوروبية التي جذبت قاعدة جماهيرية واسعة من عشاق الرياضة. كانت الشاشة الرياضية الخاصة بـ ART تُعدّ بالنسبة للمشاهد العربي نافذته الحصرية إلى عالم الكرة العالمية، وكان لا غنى عنها لعشاق الساحرة المستديرة، رغم أن الاشتراك في خدماتها لم يكن في متناول الجميع في ذلك الوقت.

ومع ازدهار الشبكة، بدأت تظهر ملامح التحديات التي ستؤثر لاحقًا على استمراريتها. فقد واجهت ART منافسة شديدة من شبكات إعلامية جديدة بدأت تدخل السوق بقوة أكبر وتمويل أضخم، مثل شبكة الجزيرة الرياضية التي ظهرت في بداية الألفينات ثم توسعت بشكل ضخم، مما بدأ يُهدد مكانة ART كحصرية للبث الرياضي. ورغم محاولات الشبكة في الحفاظ على جمهورها، إلّا أن الضغط المالي الناتج عن شراء الحقوق الرياضية العالمية، والتكلفة العالية للبث والتشغيل، شكّل عبئًا كبيرًا على الشركة.

في عام 2009، جاء القرار المصيري الذي شكّل نقطة تحوّل حقيقية في مسار ART، حين أعلنت الشبكة عن بيع قنواتها الرياضية إلى شبكة الجزيرة الرياضية، وهو ما اعتُبر في حينه ضربة قوية لهوية ART ومكانتها في السوق. المشاهد العربي الذي تعوّد على متابعة البطولات الكبرى من خلال ART وجد نفسه مضطرًا للانتقال إلى شبكة جديدة، وهو ما تسبّب في خسارة شريحة كبيرة من الجمهور.

بعد هذا القرار، بدأت ART رحلة الانكماش التدريجي. اختفت قنوات واحدة تلو الأخرى، وتم تقليص المحتوى بشكل كبير، إلى أن تحوّلت إلى مجرد اسم رمزي لقنوات قليلة تُبث عبر الأقمار الصناعية، لكنها لم تعد تحظى بنفس التأثير أو الشعبية التي كانت عليها في السابق. وبقيت الذكرى حية فقط لدى جمهورها القديم، خصوصًا أولئك الذين ربطوا طفولتهم ومراهقتهم بمحتوى ART المتنوع.

وفي ديسمبر من عام 2024، جاء الإعلان الرسمي الذي أنهى قصة ART كما عرفناها: الشبكة قررت إيقاف بثها الفضائي بالكامل اعتبارًا من 1 يناير 2025، وأعلنت عن التحول الكامل إلى البث الرقمي عبر الإنترنت من خلال منصات جديدة مثل “يانجو بلاي”. وجاء في بيان الشبكة أن هذا القرار يهدف إلى مواكبة التحولات الرقمية وسلوك المشاهد الجديد، الذي بات يعتمد أكثر على المشاهدة عند الطلب ومنصات البث الرقمي، بدلًا من البث التقليدي عبر الأقمار الصناعية.

هذا الإعلان كان بمثابة نهاية حزينة لكنها متوقعة لقصة إعلامية عريقة. ART، التي كانت ذات يوم من أبرز رموز الإعلام العربي، لم تستطع مواكبة التحولات التقنية والمالية التي شهدها العالم خلال العقدين الماضيين. وبينما كانت تحاول التأقلم مع العالم الرقمي، كانت قد فقدت جزءًا كبيرًا من هويتها وجمهورها.

اليوم، يمكن النظر إلى قصة ART كدرس مهم لأي مؤسسة إعلامية في العالم العربي: النجاح لا يكفي للبقاء، بل إن الاستمرارية تتطلب رؤية استراتيجية واضحة، وقدرة على التكيّف السريع مع التغيرات التكنولوجية والسوقية. وفي عالم الإعلام المتسارع، لم يعد الاسم الكبير ولا التاريخ العريق ضمانة للبقاء، بل إن التجديد والتطور هما اللغة الوحيدة التي يفهمها الجمهور العصري.

ومع ذلك، لا يمكن أن ننسى الأثر الكبير الذي تركته ART في الذاكرة الإعلامية العربية. فقد كانت مدرسة للعديد من الإعلاميين والمذيعين والمخرجين، واحتضنت محتوى متنوعًا كان له دور كبير في تشكيل الذوق العام، وأدخلت البهجة على ملايين البيوت. ستبقى ART، رغم كل شيء، فصلًا مهمًا في تاريخ الإعلام العربي، وشاهدًا على فترة ذهبية من البث التلفزيوني في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى