كيف هزمت ZDF الألمانية عمالقة البث المشفّر؟

في زمنٍ باتت فيه الرياضة حكرًا على من يدفع أكثر، ظهرت قناة ألمانية لتعيد تعريف مفهوم الإعلام الرياضي المجاني، وتحجز لنفسها مكانةً خاصة في قلوب عشاق الكرة حول العالم، خصوصًا في العالم العربي. إنها قناة ZDF الألمانية، التي أطلق عليها المتابعون لقب “قناة الفقراء”، لا لقلّة إمكانياتها، بل لأنها أتاحت مشاهدة أهم البطولات العالمية دون تشفير، وبجودة عالية، ودون مقابل.
ZDF ليست قناة ترفيهية عابرة، بل هي مؤسسة إعلامية رسمية تنتمي إلى منظومة الإعلام العام في ألمانيا. تموّل هذه القناة بالكامل من الضرائب التي يدفعها المواطنون الألمان، ما يجعلها قناة غير ربحية ذات رسالة واضحة: تقديم محتوى إعلامي عالي الجودة يخدم الجمهور، وليس جني الأرباح.
وفي حين اتجهت معظم القنوات العالمية إلى تشفير المحتوى الرياضي وفرض اشتراكات باهظة، اختارت ZDF أن تكون مختلفة. فالإدارة تؤمن بأن الرياضة يجب أن تكون متاحة للجميع، لا أن تُباع لمن يملك القدرة على الدفع فقط. ولهذا السبب، قامت القناة بعقد اتفاقيات ذكية للحصول على حقوق بث مباريات كبرى مثل كأس العالم، وكأس الأمم الأوروبية، وأحيانًا مباريات من دوري أبطال أوروبا، لتبثها مجانًا للمشاهدين داخل ألمانيا.
لكن الحكاية لم تتوقف عند الحدود الألمانية. فمع انتشار التكنولوجيا وتطور وسائل المشاهدة، بات من السهل على الجماهير في العالم العربي متابعة القناة باستخدام وسائل مثل القمر الصناعي الأوروبي “Astra”، أو تطبيقات الـVPN التي تتيح للمستخدم تصفح الإنترنت وكأنه في ألمانيا. وهكذا، تحولت ZDF إلى ملاذٍ لعشاق الكرة الهاربين من سطوة القنوات المشفّرة.
ورغم أنها قناة مجانية، إلا أن ZDF تقدّم تغطية لا تقلّ عن القنوات الكبرى: تحليلات دقيقة، استوديوهات احترافية، معلقون خبراء، وصورة بجودة فائقة. كل هذا بدون إعلانات مزعجة أو انقطاعات، ما يجعل تجربة المشاهدة أكثر متعة وسلاسة.
وتثير هذه التجربة تساؤلًا مهمًا: إذا كانت قناة ألمانية تستطيع تقديم هذا المحتوى مجانًا بفضل دعم حكومي، فلماذا لا تستطيع قنواتنا العربية، التي تجني أرباحًا طائلة من الاشتراكات، أن توفر تجربة مشاهدة قريبة منها ولو جزئيًا؟!
صحيح أن ZDF لا تملك دائمًا حقوق جميع البطولات، لكنها تظل خيارًا واقعيًا ومحبوبًا لكل من يرفض الخضوع لاحتكار المحتوى الرياضي. ولعل وجودها، ونجاحها في الوصول إلى هذا الجمهور الواسع، هو دليل على أن الإعلام يمكن أن يكون عادلًا، مجانيًا، وشعبيًا، في زمنٍ باتت فيه كل لحظة مشاهدة تُقاس بالمال.