د . عبد الرزاق مقري _ سياسي و مفكر جزائري
أعراس الأولاد كلها بفضل الله أفراح بلا أسى ولا حزن ولا حيرة سوى ما يرجوه الوالد لأولاده من الصلاح والعافية والهناء والكفاف والسعادة، غير أن يوم زفاف البنت أحاسيسه مختلفة لدى والدها، تختلط فيه مشاعر السرور والسعادة مع شيء من الحيرة وما يشق على المرء تحمله، أما السرور والسعادة فهو ما يشعر به الأب عندما يكتب الله لابنته الزواج بشاب صالح طيب لعائلة صالحة طيبة، فهي نعمة عظيمة يُشكر عليها الله سبحانه، وآية من آيات الله للتدبر والتأمل وفق قوله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)).
وأما الحيرة فهي الإحساس الطبيعي الذي يضمره الوالد بشأن مستقبل ابنته في وسط اجتماعي جديد لا تعرفه، وأما ما يشق تحمله، فهو أسى الفراق الذي يحس به أب العروس وهي تغادر فلذة كبده بيته وبيتها الذي نشأت فيها وترعرعت إلى بيت سيكون هو مقرها ومسكنها بعيدا عن والديها.
ولئن كان هذا الشعور مشتركا لدى كل الآباء، إذ لا يخفى على أحد العلاقة المتميزة بين الأب وابنته في مجتمعاتنا، فإن علاقتي ببنيتي وأنس قلبي وريحانتي ومودتي بنيتي، ربما يتجاوز ما أعرفه في الناس. فهي ركيزة البيت إلى جنب أمها، تحمل الأعباء عنها بسرور وارتياح، شقيقة الروح لاختها وأم أخرى لأبنائها، ومفضلة أشقائها، وهي مخصوصة لي في ما يسعدني ويفرحني ويريحني، تسارع إلى إجابتي في ما أريده قبل غيرها بكل حب، تعرف أين حوائجي فلا يضبط فوضى أشيائي مثلها، إن غبت هي أول من يتصل بي ويسأل عني في سفري، وإذا حضرت فهي من يؤنسني ويخدمني، تبرع في الطبخ لتهيئ لي ما لذ من الأطايب دون أن أسألها، وتفاجئني بين الحين والحين بهدايا تدخل بها السعادة على قلبي، لا يسمع منها أحد كلاما مؤذيا، ولا يصدر منها تصرف مؤسف، هي عنوان على درب أمها في تعليم القرآن في مسجدنا، وفي خدمة الناس في جمعيتنا، ورمز للأدب والأخلاق والكفاءة والتضحية في التربية والتعليم في مكان عملها.
سلمتها بنفسي لزوجها كما في الصورة فصدق من قال في الأمثال: “جدع الحلال أنف الغيرة”، أخذتها بنفسي لِبيت غير بيتي، ورافقتها بيدي لكي لا تعود معي، يغلبني البكاء لا أتحمل فراقها، تخطو بُنيّتي في دهشة خطواتها معي، لا تصدق أنها ستترك عشها وتغيب عن أحبائِها لحياة أخرى لا تعرفها، ينهمر الدمع على وجنتيها وهي تغادرني فلا أدري أواسيها أم تواسيني.
ليس سهلا فراقك يا بنيتي، ولو لم يجعل الله بالزواج الرجالَ للنساء والنساء للرجال لما طقت بُعدك، إذ البيت بغيرك ستكون موحشة، و”قعدة” العائلة في غيابك ناقصة.
بارك الله لك يا بنيتي، وبارك عليك وجمع بينكما بخير. أسأل الله أن يسعدك ويسعد بك زوجك وأهله، وأن يسعدك به وبأهله، وأن يصلح أمرك ويصلح بك، وأن يبارك فيك ويبارك في زوجك ويبارك بك، وأن يبقيك الله قرة عين لوالديك وأرحَامك. اللهم آمين