د . عبد الحميد هيمة _ أكاديمي جزائري .
جانب من مداخلتي في المعرض الوطني لكتاب الطفل
بقصر الثقافة يوم 14 جوان 2024
تناولت في مداخلتي إشكالية منافسة الوسائل الالكترونية الحديثة للكتاب، و في مقدمتها الحاسوب والانترنيت، و أجهزة الآيباد، و الهواتف المحمولة بكل تطبيقاتها و غيرها ..، و التي أصبحت في متناول كل الأطفال في العالم، و قد لقيت هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة إقبالا كبيرا من الكبار و الصغار لجاذبيتها، و لما توفره من مؤثرات صوتية و بصرية خاصة، لا نجدها في الكتاب، و لما تقدمه كذلك من إمكانات لتوسيع مدارك الأطفال و تطوير ثقافتهم، و جعلهم يواكبون التطور الحاصل في هذا العصر.
و مع هذا الانفجار للشبكة العنكبوتية، بدأت الأصوات تتعالى محذرة من مخاطر الانترنيت، فإذا كنا نعلم أطفالنا عدم فتح باب البيت في حال كان الطارق غريبا، و غير معروف لديهم، فإننا من خلال الانترنيت قد تخلينا عن تلك الاحتياطات، و فتحنا نافذة واسعة في منازلنا، تاركين الفرصة للغرباء للعبث بمستقبل أبنائنا، لهذا يجب الاعتراف بأن للانترنيت أضرارا جسيمة خاصة في مجتمعاتنا العربية التي هي مجتمعات مستهلكة و ليست منتجة، و لم تتهيأ بالشكل الكافي لهذا العصر..
فيا ترى هل عالم الإنترنيت عالم آمن لمن يبحر فيه، خاصة إذا كانوا من الأطفال ؟
و ما هي الآثار السلبية للانترنيت على مستقبل أبنائنا ؟
و كيف يمكن التحكم في هذا المنتج التكنولوجي الخطير؟
هذه الأسئلة وغيرها حاولت الإجابة عنها في هذه المداخلة، انطلاقا من الأهمية الكبيرة التي أصبح يحتلها الإنترنيت في حياتنا المعاصرة فنحن لا نستطيع أن نغلق الأبواب دونه، كما لا يجب تركها مفتوحة على مصراعيها، وإنما يجب ترشيد التعامل معه حتى لا يتحول إلى معول هدم للأجيال القادمة …
و ما يهم هنا في هذه المتغيرات هو ما حدث لثقافة الطفل، بسبب الانفجار الرهيب للشبكة العنكبوتية وانتشار عالم الإنترنت، وهذا العالم ليس آلة يكفي أن نستوردها لنكون قد دخلنا العصر، وصرنا حداثيين أو ما بعد حداثيين كما يمكن أن يرى البعض أو يتوهم إذا تحقق هذا البعد فقط، وهو الاستيراد، لأننا سنكون مستهلكين فقط، وسنظل نستهلك أبد الدهر، وما دام وجودنا يرتهن إلى الاستيراد والاستهلاك سنظل أبدا خارج العصر، إن دخولنا العصر الحديث إذن رهين بتغيير تعاملنا مع ما يقدمه لنا الآخرون من إمكانيات، و ذلك من خلال :
1ـ استيعاب روح ثقافة الأنترنيت، والتعرف على آلياتها وكيفيات إنجازها
2ـ إيجاد الشروط التربوية والتعليمية لتعميم هذه المعرفة الجديدة وجعلها جزءا من حياة الناس اليومية
3ـ تطوير التعامل باللغة العربية في مجال تكنولوجيا المعلومات وذلك بهدف تمكين اللغة العربية من مواكبة المستجدات
4ـ تشجيع التكوين في مجال تكنولوجيا الإعلام والتواصل
5ـ ضرورة دخول المثقفين والمفكرين والعلماء إلى عوالم الوسائط الالكترونية بقصد الإسهام في الإبداع من خلالها، بما يتوافق وهويتنا ويخدم ثقافتنا العربية الأصيلة، وخاصة في مجال ثقافة الطفل، حتى نستطيع أن نواجه القيم الأجنبية التي تبشر بها العولمة والتي تشكل تهديدا كبيرا لأمننا الثقافي.
مهمة كبرى إذن تنتظر النخب الثقافية، لتقديم المشاريع وبلورة الأفكار التي بإمكانها أن تصنع مستقبل أجيالنا القادمة، في هذا العصر الذي يشهد تسارعا هائلا في وتيرة الإبداع والابتكار في مجال المعلومات، حتى لا نبقى خارج العصر أوعلى هامش التاريخ، ونستطيع مواجهة التحديات الثقافية في عصر المعلوماتية.
لأن الإنترنت عنصرًا مهمًا في حياتنا اليومية لا يمكن الاستغناء عنه، ولا يمكن أن نمنع أطفالنا من الإبحار في عوالمه الفسيحة والاستفادة مما تقدمه هذه الشبكة العملاقة من معلومات ووسائل تربوية وترفيهية، ولكن علينا ترشيد الاستفادة منه قدر الإمكان، ونعمل على توجيه أبنائنا للاستخدام الأمثل، حتى نقي أطفالنا من أضراره الكثيرة وتأتي في مقدمتها الأضرار النفسية والاجتماعية مثل:
1- تعطيل قدرات الطفل التحليلية الناقدة:
2- عزل الطفل عن المجتمع وثقافته:
3- الدخول إلى المواقع التي تسيء إلى ثقافتنا:
4- نشر ثقافة العنف بين الأطفال:
5- الانطوائية و العزلة، و ضعف التفاعل الاجتماعي:
6ـ مشكلة الوقوع ضحية الجماعات المتطرفة:
7 ـ ضعف التحصيل الدراسي:
8ـ التأثيرات السلبية على صحة الأطفال البدنية:
ومع اعترافنا بهذه المخاطر التي تهدد أبناءنا بسبب هذا انفجار التكنولوجي، فإنه لا يمكن تجاهل تكنولوجيا الأنترنيت، وإنما ينبغي ترشيدها وهذا الأمر تدركه كل الأمم و المجتمعات، وعلى الرغم من التوقعات السلبية، والأرقام المخيفة في هذا المجال يجب أن نعمل ولا نفشل، والبداية تكون من خلال الثقافة والمعرفة، فنؤسس منظومة ثقافية ومعرفية جديدة تستطيع مواجهة كل التحديات وتحقيق الأمن الثقافي للأجيال القادمة.
ومع اعترافنا أيضا بأننا ما زلنا بعيدين عن ما هو مأمول فإننا لا ننكر وجود جهود طيبة تبذل في مجال الاستفادة من الإنترنت، سواء على صعيد الدراسات المقدمة في هذا المجال، أو من خلال مواقع الأطفال العربية التي تعنى بالنواحي التعليمية والتربوية، فإننا لا نعدم وجود مبادرات طيبة، المهم هو أن نواصل الجهد بإرادة وعزم، واستراتيجيات بعيدة المدى، والبداية تكون من الأسرة التي تتحمل الجزء الكبير من المسؤولية في تربية الأبناء ورعايتهم، وتوجيههم الوجهة الصحيحة، ثم المدرسة، وأخيرا المؤسسات العلمية والأكاديمية.
ولذا فإننا ندعو السلطات الوصية، وكذا كافة مؤسسات الدولة والخاصة التي تهتم بموضوع ثقافة الطفل إلى مزيد من المشاركة والتفاعل الإيجابي مع إعصار المعلوماتية من خلال :
1ـ تكثيف الجهود في ميدان ثقافة الطفل، من خلال رسم السياسات والخطط و البرامج في هذا المجال الهام.
2- يجب علينا أن ننمي مواهب أطفالنا في مجال الإعلام الآلي منذ الصغر حتى يستطيعون التآلف معها و يكونوا مهيئين للتفاعل الإيجابي مع عصر المعلومات، و الإسهام فيه، حتى لا نبقى قابعين في زاوية الاستهلاك، وإنما نتحول إلى الإنتاج، حتى نجعل من الطفل الجزائري أنموذجا لعصر المعلومات.
3 ـ تكثيف إقامة الندوات والملتقيات حول موضوع ثقافة الطفل والوسائل التكنولوجية الحديثة، و طرق التعامل معها، كما هي الحال مع هذه الندوة التي نأمل أن تتحول إلى ملتقى وطني في المستقبل ..
4 ـ تنظيم المسابقات في مجال أدب و ثقافة الطفل، و كذا الدراسات المتعلقة بثقافة الطفل تشجيعا للمواهب والمبادرات العلمية الجادة
5 ـ تأسيس المراكز المتخصصة في هذا الميدان الهام، وإعداد البحوث و الدراسات العلمية المتخصصة لاقتراح الاستراتيجيات والحلول لمواجهة أخطار الإنترنت، و الاستفادة منه في كل مراحل التربية والتعليم، كل هذا من أجل أن نكون جيلا قادرا على التأقلم مع الواقع الجديد ..
آن الأوان لكي نفكر في خلق ثقافة خاصة بالأطفال نابعة من أصالتنا وواقعنا الاجتماعي والثقافي من أجل تقوية الصلات والروابط بين الطفل وأمته، خاصة في ظل العولمة التي تسعى إلى القضاء على الخصوصيات الثقافية، يجب تشجيع الكتاب للكتابة للطفل، لكي نعيد للكتاب مكانته في العملية التربوية، لأننا نلحظ أن علاقة أبنائنا بالكتاب أصبح يشوبها الكثير من الاضطراب، بل والعزوف عن الكتاب وأحيانا معاداة الكتاب، وما نلحظه اليوم من ظواهر مشينة كتمزيق الكتب وحرق الكراريس في نهاية كل موسم دراسي، ينذر بالخطر الداهم الذي يهدد الأجيال القادمة ..
ولذلك فإننا نجدد نداءنا للوزارات الوصية إلى تأسيس مرصد وطني لأدب الطفل واليافعين، يضطلع بمهمة التنظيم والرقابة والاستشراف، ووضع الاستراتيجيات ورسم الخطط في مجال الكتابة للطفل
و إذ نثمن تأسيس وزارة الثقافة لجائزة أشبال الثقافة، والتي تحصل عليها مؤخرا الشاب ” آدم قريرة ” من ورقلة، فإننا ندعوها أيضا إلى إعادة إحياء مشروع المسابقة الوطنية لأدب الطفل، وكذا الاهتمام بالمجلات الموجهة للأطفال والفتيان، وكذا تشجيع الأعمال الإبداعية، والدراسات والأبحاث الأكاديمية المتعلقة بهذا الموضوع ..
